- En
- Fr
- عربي
وعادوا أبطالا
باقون على العهد ما دام في القلب نبض
وللبحر مغاويره، هادئاً كان موجه أم هائجاً.
قرب البحر مودعاً آخر أيام الصيف زرناهم، وهناك أيضاً انصتنا الى حكايات.
بكلام قليل يخبرون عن القتال، وبتأثر كبير يتذكرون الرفاق الشهداء والجرحى. أمّا النتيجة الواحدة التي يخلص اليها الجميع فمفادها أنهم خاضوا معمودية الدم وفاءً لعهد قطعوه للبنان، والعهد باقٍ ما دام في القلب نبض وفي الشرايين دماء.
جاهز سيدي
من مجموعة زوارق القتال الأولى نلتقي ملازماً في مكتب قائد الفوج. إحدى الإصابات التي تعرض لها تركت علامة كبيرة على خده. نحييه، ويمازحه قائد الفوج: يا ملازم لديك مهمة أخرى في نهر البارد.
- جاهز سيدي لأي مهمة وفي أي مكان.
ونقول له: إنها مهمة إنسانية هذه المرة:
- نحن أول من يلبي نداء الواجب الإنساني. يستأذن قائده، ويرافقنا الى حيث ثمة عسكريون آخرون في انتظارنا.
لقد أصيب قائد المجموعة التي تنتمي اليها وكنت أنت بقربه. حدثنا عن ذلك.
يروي الملازم الحادثة فيقول: كان الرائد آمر المجموعة يستطلع أحد المراكز ومعه نقيب وأنا وبضعة عسكريين. تعرضنا لرصاص قنص، أمرنا بالتراجع والاحتماء، وفي اللحظة عينها رأى عبوة تنطلق باتجاهنا، صرخ عبوة، و«دفشنا»، أنا والرقيب قبل أن يقفز متراجعاً. لقد أصيب لكنه أنقد حياتنا جميعاً. «شلف» حديد سبب له الإصابة، والحمد لله بات اليوم في صحة جيدة.
• كيف تتصرفون عند استشهاد رفيق أو حصول إصابة؟ ما هي أول ردة فعل تقومون بها؟
حصول إصابة يعني وجود خطر، أول شيء يجب عمله حماية الباقين من الخطر والسيطرة على الوضع بحيث نتلافى حصول ذعر، ونتمكن من إنقاذ المصاب أو سحب الشهيد. لقد استشهد النقيب ميشال مفلح قربي، كانت صدمة ولحظة تأثر للجميع، هذه هي الحرب، لا يمكن تفادي ضريبة الدم، المهم تحقيق الهدف بأقل كلفة ممكنة من الخسائر.
بعد أيام من المعركة
باتت عمليات الدهم أمراً عادياً
وعما حملته له المعركة من خبرة يقول:
هذه أول معركة من نوعها بالنسبة الينا جميعاً، ثمة رفاق لديهم خبرات من معارك سابقة، لكن أياً منها لم يكن بضراوة هذه المعركة وظروفها. عندما بدأنا كانت الحماسة تسيطر علينا. على أرض المعركة تعلمنا كم من الضروري أن نبقى حذرين ومتيقظين، وبعد أيام باتت عمليات الدهم وسواها من أعمال شيئاً عادياً، لكن التيقظ ظل رفيقنا في المراحل جميعها. فالخطر كان موجوداً في كل لحظة. حققت هذه المجوعة أكثر من خرق مهم.
لكن الملازم يرى أن الجميع قاتلوا بإرادة صلبة وعزم كبير، ولولا التعاون والتماسك على صعيد الفوج وعلى صعيد القطع المقاتلة كلها، لما تحقق النصر.
وقبل أن ينهي حديثه، يوجه الملازم تحية الى أمه التي وعلى الرغم من قلقها الشديد كانت تتحاشى الاتصال به لتحافظ على معنوياته مرتفعة، «كانوا يتصلون بي من البيت يومياً كلهم يتحدثون معي، إنما ليس أمي».
أياً كان مصدر الخطر نتصدى له
في المجموعة نفسها نتحدث الى معاون، فخور بانتمائه الى مغاوير البحر. خاض المعركة بمعنويات مرتفعة حافظ عليها طوال فترة المعركة. لكنه يرى أن الإندفاع يجب أن يظل مرفقاً بالحذر للحد من الخسائر.
المعاون الجنوبي يرى أن التصدي للإرهاب يوازي التصدي للعدو الإسرائيلي، في الحالين الخطر يستهدف لبنان وواجب العسكريين حماية وطنهم من أي خطر.
هو لم يرَ عائلته أول 25 يوماً من المعارك، لكنه فخور، فقد حاربنا من أجل بقاء بلدنا يقول، ويضيف: «كنا هنا يداً واحدة وقلباً واحداً. هذا ما خفف عنا كل شيء، الصعوبات واستشهاد الرفاق.
• هل استشهد أحد رفاقك المقربين؟
- الشهيد علي عكوشه، تأثرت كثيراً لفقدانه، في أي حال كل الشهداء دمهم غالٍ وخسارتنا بهم كبيرة، لكن ما يعوض هذه الخسارة هو بقاء الوطن ووحدته وأمنه.
الجيش أسقط الرهانات
يشعر رقيب أول من مجموعة قتال الزوارق الأولى أن الجيش أسقط جميع الرهانات حول قدرته على كسب معركة في مخيم مثل مخيم نهر البارد، هذا يشعره بكثير من الفخر والاعتزاز، وإذ يوجه تحية الإكبار الى أرواح الشهداء، يعتبر أن النصر كان نتيجة بطولاتهم.
«لا حرب من دون خطر، كنا نتوقع أن نصاب أو نستشهد في أي لحظة، لكن لا شيء يعيق تقدمنا».
• ما الذي يجعل المقاتلين بهذا الإصرار؟
- دم رفاقنا الذين غدر بهم، لقد اعتدي على جيشنا واستهدف أمن وطننا، نحن عسكر وقد قمنا بما يمليه الواجب في مثل هذه الظروف.
ويضيف: كان لفوجنا شرف القتال في هذه المعركة، ثمة الكثير من العسكريين أراد الالتحاق بنا ولم يتح له ذلك، «كبر قلبنا عندما علمنا بالعدد الكبير للراغبين في الالتحاق بالمعركة».
بأجسادنا قاتلنا وانتصرنا
وننتقل الى عريف يسمونه البرازيلي، هو في الفوج منذ ثماني سنوات، فخور جداً بفوجه وبالجيش. كان مقرراً أن يتزوج منذ أشهر، لكن للمعركة أحكامها، أجّل العريف عرسه، شارك في المعركة.
أنجز واجبه بكل ما أوتي من عزم. الآن يتحضر لزفافه مرتاح الضمير، وإن لم يخل القلب من الحزن.
عندما أصيب في المعركة حصل على فترة نقاهة مناسبة لإصابته، لكنه كما الجميع، عاد وقبل انتهاء النقاهة بـ17 يوماً، لماذا؟ لأن العسكري في البيت قد يموت من «الهم» والقلق، في المعركة أهون بمئة مرة.
«كنا على الدشمة النقيب مفلح وأنا بقربه، أطل برأسه مستطلعاً إمكان إقامة دشمة أخرى، اصطاده قناص. هذا أسوأ وأقسى ما يمكن أن نواجهه في المعارك».
• والآن كيف تشعر؟
- أشعر بالكثير من الفخر. كل العالم شهد لبطولتنا، حققنا نصراً في ظروف بالغة الصعوبة. وانتصرنا بأجسادنا لا بسلاحنا وعتادنا.
إنهم الناس أهلنا وأحبابنا
في مجموعة زوارق الدعم نلتقي معاوناً ورقيباً.
شارك المعاون في المعركة من بدايتها الى النهاية. إذ نسأله عن الدوافع التي تبقي نار النخـوة مشتعلة في نفـوس المقاتلين على الرغم من كل الدم الذي أهرق والجهد الذي بذل يقول:
إنه الواجب، واجبنا تجاه أهلنا الذين غمرونا بالدعم والمسـاندة بكل الأشكال. واجبـنا حمايتهـم في الأساس لأننا عسكر، أما وقد وقفوا الى جانبنا بهذا الشكل... فلم يعد من شيء قادراً على إعاقتنا، لم يكن أمامنا إلا الإنتصار من أجل الوطن والناس والرفاق الذين سبقونا الى الاستشهاد.
المعركة خلفنا
وأمامنا الوفاء للشهداء
آخر محطة في فوج مغاوير البحر كانت مع رقيب أول، هو من مجموعة زوارق الدعم ايضاً. يحمل الرقيب كما رفاقه، الكثير من ذكريات الخطر والنار.
«مرة دخلنا الى مبنى في شارع مؤمن من جهة اليمين فقط، من جهة اليسار كنا أمام احتمال وجود مسلحين، انتبهت الى شريط مخفي تحت عدد من الفرش وأغراض أخرى. كشف رهط الهندسة على الشريط، فوجدوه موصولاً بقذيفة 155 ملم موصولة بدورها بقذائف «آر. بي. جي» ومتفجرات أخرى. كانوا ينتظرون دخولنا المبنى ليفجروه بنا من بعيد...».
كانت الأفخاخ في انتظارنا في كل مكان وداخل أي شيء، إحدى الغرف كنا قد كشفنا عليها وتبين أنها نظيفة من المتفجرات، فجأة انفجرت عبوة واستشهد العريف أسامة الرفاعي. كانت العبوة تحت «بلاطة» تمّ فكّها ومن ثم أعيدت الى مكانها بعد التفخيخ.
• والآن؟
- كل شيء بات خلفنا، أمامنا فقط ذكرى الشهداء الذين صنعوا هذا النصر، وفرح الناس الذين كانوا ينتظرون أن نحققه، وعهدنا بمتابعة المسيرة كلما نادانا الواجب.
تصوير:
راشيل تابت