- En
- Fr
- عربي
من واقع الحياة
تبدو الأزمة الاقتصادية الحالية مثل وحشٍ مجهول يتربّص بنا جميعًا، ويجعلنا هذا الوضع نتساءل يوميًا إذا كنا سنتمكن من دفع الإيجار أو الرهن العقاري للشهر المقبل، أو الأقساط المدرسية وفاتورة الكهرباء واشتراك المولّد والاتّصالات والماء وغيرها الكثير من النفقات... وهل ستواكب رواتبنا الشهرية هذه النفقات يومًا ما؟ وهل ستبقى لنا أصلًا وظيفة في العام المقبل لتأمين لقمة العيش؟
أسئلة وهواجس كثيرة باتت تتعبنا إلى حدّ الجنون، وتجرّنا يومًا بعد يوم إلى الانهيار وفقدان السيطرة على الأمور فالاكتئاب. كيف يمكننا منع كل هذه الضغوطات من سحقنا؟ هل من خطوات عمليّة فعلًا يمكن اتباعها لتخطي الواقع الصعب بأقلّ أضرار ممكنة؟
الابتعاد عن المقارنة بين الماضي والحاضر وعن التفكير الدائم بالمستقبل هو أول ما يجب فعله، تقول المرشدة النفسية والأستاذة الجامعية ديالا عيتاني، فعندما تكون الأمور خارجة عن سيطرتنا والحلول ليست بأيدينا، سندخل في دوامة سلبية عاجزين عن التقدّم قلقين ومهمومين وبالتالي محبطين. فلْنَعِش الوقت الحاضر ولْنَعِ أنّها مرحلة وستزول، وبانتظار ذلك، هناك بعض الخطوات العملية التي يمكن اتباعها، أبرزها ما يأتي:
• اتخاذ القرار بالتنبّه للمشاكل التي تواجهنا، وهو ما نسميه بالوعي الذاتيSelf awareness، وتحديد الأمور التي توتّرنا أو تشغل تفكيرنا والتصميم على تخطيها للمحافطة على الصحة النفسية. وبالتالي يجب التنبّه للأفكار السلبية التي تؤدي إلى التشوّهات الفكرية، مثل «لن يكفي ما نملك من المال لشراء كسرة خبز!» والعمل على استبدالها بأفكار إيجابية. وهنا أشارت عيتاني إلى أهميّة اللجوء إلى المرشد النفسي في حال عجزنا عن التنبّه للأفكار السلبية وتجنّبها بمفردنا.
• التعبير عمّا نشعر به تباعًا أمرٌ ضروري جدًا للتنفيس عن الغضب الذي يختلجنا تجاه كلّ ما نمرّ به من صعوبات، حتى لا يتراكم الغضب ويُحدث انفجارًا كبيرًا دفعةً واحدة.
• ممارسة نشاط بدني يحفّز إفراز الأندورفين والكيميائيات العصبية الطبيعية، ما يُحسّن المزاج ويُعزِّز الإحساس بالراحة النفسية. فلنتعمّد المشي أو الركض أو التنزه في الطبيعة حيث تلعب الألوان أيضًا دورها في إفراز السيروتونين المسؤول عن السعادة. والأهم هو إصرارنا على الشعور بالسعادة خلال النشاط المقرّر القيام به.
• ممارسة هواية ما كالغناء أو الاستماع إلى الموسيقى، ما يُخفِّف التوتُّر بشكل جيد إذ يُقلِّل من الشدِّ العضلي كما يُخفف هرمونات الضغط العصبي. وإذا لم تكن الموسيقى من بين اهتماماتنا، فلنهتمَّ بهواية أخرى نستمتع بها، مثل البستنة، الحياكة، الرسم، الطبخ أو أي شيء يتطلَّب منا التركيز على ما نفعله بدلًا مما نعتقد أنه ينبغي علينا أن نفعله. كذلك تطوير مهارة ما أو تعلّم شيء جديد يساعدنا في التركيز على مجالات أخرى في الحياة، وبالتالي إمكانية تحقيق أهداف وفتح آفاق جديدة.
• الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي وعن مراقبة الآخرين ولو عن غير قصد، حتى لا يقودنا ذلك إلى مقارنة أنفسنا بهم والشعور بالدونية. كذلك الابتعاد عن الأخبار السلبية التي تزيدنا توترًا وقلقًا، أو عن الأشخاص السلبيين والمتشائمين وإحاطة أنفسنا بأناسٍ إيجابيين متأملين بغدٍ أفضل، ممتنين على ما يملكونه وشاكرين ربّهم على ما أنعم عليهم، فنتحلّى بدورنا بالإيمان بربّنا وبأنفسنا وبحياةٍ أفضل.
• التواصل مع العائلة والأصدقاء وتكوين روابط اجتماعية هي وسائل جيدة لتخفيف الضغط النفسي؛ لأنها يُمكن أن تُتيح لنا تشتيت الانتباه عمَّا يُؤَرِّقُنا، إضافةً إلى توفير الدعم ومساعدتنا على تحمُّل تقلُّبات الحياة. ولذا، فأَخْذُ فترة استراحة لاحتساء فنجان قهوة مع صديق أو مراسَلة قريب عبر الإنترنت هي أمور مفيدة للترويح عن النفس.
• اتباع نظام غذائي مفيد لصحتنا والتلذّذ في أثناء تناول الطعام، وتجنّب العادات غير الصحية، وأخذ قسط كافٍ من النوم هي أمور أساسية يجب اتباعها. وقبل النوم، فلنعمد إلى تخصيص بضع دقائق لاسترجاع ما حققناه خلال اليوم، وتدوينه في سجلّ خاص، فكتابة الأفكار والمشاعر يمكن أن تكون فكرة جيدة لعدم كبت العواطف لا سيما الإيجابية منها. كذلك، بإمكاننا قراءة بعض الأخبار الطريفة أو مشاهدة فيلم كوميدي يدفعنا إلى الضحك، فالضحك لا يخفف الحمل العقلي فحسب، بل إنه يسبب تغييرات جسدية إيجابية أيضًا.
الأكيد أننا نعيش ظروفًا بالغة الصعوبة، والأكيد أيضًا أنّه بإمكاننا التخفيف من وطأتها لكي لا نسمح لها بتدميرنا، فالفرج لا بد أن يأتي.