- En
- Fr
- عربي
رحلة في الانسان
كيف يؤمن الشفاء الذاتي؟
بين واقع الأحاسيس المشوّشة ونقاء الوعي الداخلي خيط رفيع، كان الإنسان ولا يزال يسعى إلى إختراقه وصولاً إلى ينبوع وحدته الداخلية. وما تقنيات التركيز التي مارسها عبر العصور إلاَّ جزءاً من إتجاهه اللاّواعي إلى الاستفادة من إيجابيات هذه الوحدة.
العلم الحديث الذي حلَّل هذه الناحية الإنسانية المهمّة، تعرَّف إلى حقائق علمية مدهشة تؤكد على أن التخيّل الإيجابي الموجّه والمستخدم عبر تقنيات التركيز والتنويم المغناطيسي، يساعد على تمتين أواصر الوحدة القائمة بين الوعي واللاّوعي، ويسهم إلى حدٍ بعيد في الشفاء من مختلف الأمراض. وفي هذا المجال أكثر من رأي علمي يشير إلى فعالية دور التخيّل الإيجابي الموجّه في مجال دفع الدماغ لأداء دور المعالج الخفي، وتحقيق الشفاء الذاتي.
فما هي تقنية التخيّل الإيجابي الموجّه، وكيف تستخدم ضمن نطاق التنويم المغناطيسي وخارجه؟
تقنيات التركيز
يؤكد الاختصاصيون الذين راقبوا الانفعالات والنتائج المرافقة للعلاج بتقنيات التركيز التي تؤمّن الدخول في اللاّوعي، أن انحسار الوعي الحسي ينبّه وظائف الدماغ، ويؤهلها لاستقبال المعلومات والصور والأفكار التي توجّه بدورها وظائف الجسم البيولوجية المرتبطة بها. ومن هنا الإشارة إلى أهمية الإستفادة من هذه المرحلة لاستبدال الأفكار السلبية بأفكار وصور إيجابية تساعد على الشفاء من الأمراض النفسية والجسدية. وحسب آخر الدراسات، فإن النشاط الدماغي يرتفع بشكل لافت خلال مرحلة انخفاض الوعي الحسي، وترتفع معه نسبة التفاعل المباشر بين وظائف مراكز الدماغ وبين أعضاء الجسم المتّصلة بها. وهذا يحصل عموماً أثناء العلاج بالتنويم المغناطيسي أو حتى خلال لحظات الاسترخاء والتأمل والتركيز العالي المستوى، وصولاً إلى الاندماج التام مع الصور الذهنية الموجّهة، والتي يفترض أن تؤمّن الشفاء الذاتي.
كيف يحصل هذا التفاعل؟
حسب رأي المعالجين المؤمنين بالنظرية المشار إليها، فإن بامكان المعالج الإيحاء بالمعلومات والأفكار والصور الإيجابية المطلوبة إلى الشخص الخاضع للعلاج، كما بالإمكان تدريبه لاستخدام هذه التقنية بنفسه للوصول إلى النتيجة المرجوة. وهذه النتيجة لا تتحقّق إلاّ عبر حالة الاسترخاء التام التي تؤمن وصول هذه المعلومات والأفكار والصور إلى المناطق الدماغية المسؤولة عن تسجيلها، ومن ثمّ تحويلها إلى الأعضاء المرتبطة بها.
فمثلاً، عندما يوحي المعالج للراقد في حالة استرخاء تام بضرورة التخلّص من الألم، يتلقّى المريض الإيحاء ويبعث به تلقائياً إلى مركز من دماغه مسؤول عن تسكين الألم. وعندما يطلب من المكتئب تخيّل نفسه وهو يمرح في ظروف سعيدة، تلبّي المنطقة المسؤولة عن الرؤية في الدماغ هذا الطلب، وتعمل على تظهير صور خيالية تتلاءم معه بعيداً عن المؤثرات الحسّية، لتعالج حالة الاكتئاب. وقد ثبت أن الأشخاص المعتادين على ممارسة الألعاب الخيالية، والخلود لأحلام اليقظة، هم الأكثر استعداداً للدخول في سكينة الوعي الداخلي والاستجابة لإيحاءات صور الخيال التي تساعد على الشفاء الذاتي. وهذا يعني أن بإمكان أي منّا الاستعانة بالتخيل الإيجابي بدون مساعدة إختصاصيين أو الاستسلام للتنويم المغناطيسي.
وإذا ما اعترفنا بأن أحلام اليقظة التي تبدأ منذ الطفولة هي جزء من آلية الدماغ الدفاعية، لاكتسبنا مع الوقت المقدرة على التحكم بها وتوجيهها بطرق تساعد على تنمية قوانا الكامنة، وتدعم دفاعنا الذاتي في وجه المؤثرات الخارجية، ومنها مسبّبات الأمراض، وهذا يتطلّب بالطبع وعياً علمياً وتفهّماً لدور تقنية التخيل الفطرية.
تقنية تمكّن من الشفاء
المعروف أن التطبيق العلمي لهذه النظرية قد بدأ في العام 1971، عندما تمكّن الدكتور سيمونتون في جامعة تكساس من تحقيق حالة شفاء من سرطان البلعوم عن طريق تدريب أحد مرضاه على ممارسة التخيّل الذهني المركّز. وحسب تقريره، فقد استوحى هذه التقنية من مبادئ التأمل التجاوزي والتنويم المغناطيسي، إضافة إلى بعض نظريات علم النفس التطبيقي التي يؤمن بها، وبدأ تطبيقها تدريجاً على مريضه على الشكل التالي:
بداية طلب إليه أن يتدرب على إتقان رياضة التنفّس والاسترخاء، ومن ثمّ التحكّم بالصور الخيالية بطريقة بالغة.
بعدها أمره برسم صورة ذهنية خيالية عن مكان الورم في بلعومه، وربطها بدماغه عبر ممرّ عصبي من صنع خياله. وعندما تأكد من مقدرته على التحكّم بهذه الصورة خارج نطاق الوعي الحسي، أوصى إليه بضرورة تصوّر دماغه وهو يرسل ومضات كهرومغناطيسية الى مكان الورم لدَحر الخلايا السرطانية ومنع انتشارها. وعرف هذا الأسلوب العلاجي لاحقاً بأسلوب الدكتور سيمونتون الشفائي.
ويؤكد الدكتور سيمونتون أن هذا الأسلوب يؤمن الدمج المباشر بين الوعي واللاّوعي وبين مسبّبات المرض وقدرات الشفاء الذاتي التي تعمل على إلغائها. ويشير إلى أن نجاح هذه التقنية يرتبط إلى حدٍ بعيد بنسبة نجاح المريض في الإرتقاء عن العالم الحسي وصولاً إلى تحويل الصور الذهنية إلى طاقة دافعة شبيهة بطاقة الكهرباء أو الطاقة الذرية المتولّدة عبر المفاعل. ويؤكد الباحثون المؤيدون لهذه النظرية، أن الطاقة الشفائية التي تنجم عن تفاعل الصور الذهنية الإيجابية، تتحوّل إلى قوة بالغة الفعالية، علماً أن أدنى ارتياب بدورها قد يغيّر اتّجاهها ويحوّلها الى قوة سلبية هدّامة قد تتسبّب بتفاقم المرض. والسبب أن الشك بالقدرات الذاتية يضعف الانطباعات الذهنية ويحرّف مسار الدفع العصبي، الأمر الذي يحول دون تحقيق الرغبة المتوخّاة.
أسرار مدهشة
المعالجون بتقنية التخيّل الموجّه يؤكدون على أهمية دورها في الكشف عن أسرار النفس عبر اختراق الخيط الرفيع الذي يفصل بين الوعي واللاّوعي، ويربط بين الفكرة ووجودها. وللمزيد من التوضيح يؤكدون على الوحدة القائمة بين الطباع والشخصية والأمراض العضوية، والتي هي حسب اعتقادهم إنعكاسات محسوسة للأفكار المجرّدة. فمثلاً إذا ما تمّ التوافق على أن نسيج الشخصية يترسّخ نتيجة الطباع والظروف والأفكار التي نكوّنها عن ذواتنا، بامكاننا القول أن نشوء أمراضنا يتبع العلة ذاتها.
صحيح أن معظم الأمراض العضوية تتسبّب بها الجراثيم والفيروسات والملوّثات البيئية، الاّ أن الأفكار السلبية بما فيها الخوف والقلق تشكّل السبب الرئيسي لنمو المرض وتفاقمه كونها تضعف مقاومة الجسم. وهذا ينطبق على كافة الأمراض بما فيها مرض السرطان.
وحسب رأي الباحثين المؤمنين بالشفاء الذاتي، فإن قرب كل خلية حية فكرة سرطان نائمة يوقظها مبرّر وجودها. ومبرّر وجود السرطان قد يتمثل بالمؤثرات الخارجية والتي يزيد من حدّتها القلق والخوف وانخفاض المناعة الذاتية.
لذا فإن العلاج المثالي لدحر هذا المبرّر هو فكرة إيجابية مقابلة قادرة على قلب الواقع على إيقاع نبض الصور الذهنية الموجّهة.
ويعطي الباحثون أمثلة حيّة عن إنعكاس الأفكار السلبية على الصحّة عموماً والأعضاء التي تستقبل إيحاءاتها بشكل خاص. فمثلاً، عندما يسمع محتسي القهوة أو الشاي أن مشروبه قد يكون مسمّماً، يشعر بوخز في معدته وألم في عضلاته وينتابه الغثيان حتى ولو كان المشروب خالياً من أي ضرر. كذلك فإن مُشاهد التلفزيون يشيح بنظره عن المشاهد المؤثّرة لما تسبب له من الألم النفسي والجسدي. والأمر نفسه ينطبق على حالات القلق وما يجسّده من صور ذهنية سلبية تتسبّب بالامراض النفسية والعضوية.
دور النشاط الذهني
يؤكد الباحثون في هذا المجال أن الاحتفاظ بالنشاط الذهني وخصوصاً مع التقدّم بالعمر، يساعد على الاحتفاظ بمقدرة الفصل بين المؤثرات الحسية والوعي الداخلي، ويرفع بالتالي المقدرة على استخدام الأفكار والصور الإيجابية من أجل تقوية جهاز المناعة وتسريع الشفاء، أو تفادي المرض.
وإذا ما سلَّمنا بحقيقة أن الدماغ البشري يخسر مع التقدّم بالعمر ملايين الخلايا العصبية، ويخسر بالتالي من حجمه ووزنه ومقدرته على إقامة الترابط المنطقي، لاعترفنا بأن معظم أمراض الشيخوخة قد تنجم عن انخفاض مقدرة الفرد على الفصل بين فكرة المرض ووجودها، وهو ما يضعف كما سبق وذكرنا المقاومة الذاتية للأمراض.
من هنا أهمية التشديد على ضرورة قيام المسنين بالأعمال والألعاب الفكرية لأنها كما ثبت علمياً تتسبّب بحصول تشجنات في الدماغ تؤدي مهام الروابط العصبية المفقودة، وتبقي المتقدّم بالسن قادراً على إحياء الصور والأفكار الذهنية الإيجابية، الأمر الذي يرفع من معنوياته، ويبعد عنه الأمراض.