- En
- Fr
- عربي
نظرة إلى الداخل
تشعر سارية بالقلق حيال علاقتها بخطيبها، فهو نادرًا ما يُعبّر لها عن حبّه بكلمات جميلة تحب أن تسمعها منه، في المقابل فإنّ الكثير من تصرفاته توحي لها بحب حقيقي. بعد أكثر من سنة على علاقتهما خلصت إلى نتيجة: هو لا يُجيد التعبير عن عواطفه، ويجب أن أتقبّله كما هو... لكن في هذه الخلاصة نوع من الأسى قد يكون مدمرًا لعلاقة الشريكين.
في الواقع ليست المسألة هنا في معرفة الشريك لكيفية التعبير عن حبه، وإنما هي في لغة الحب الخاصة به والتي لا تبدو مفهومة لدى خطيبته، ذلك أنّ لغتها في الحب مختلفة! وفي رحلة بناء علاقة عاطفية ثابتة وطويلة الأمد، لا بد أن يكتشف كل منا اللغة التي يفضّل أن تشكّل أساسًا للتواصل بين الطرفين.
لغات الحب الخمس
في كتابه "لغات الحب الخمس: سر الحب الذي يدوم" الصادر في العام 1992، قدم الدكتور غاري تشابمان خمس طرق رئيسية للتعبير عن الحب، مؤكدًا أنّها المفتاح الأساسي لبناء علاقات عاطفية صحية وسعيدة. وما زال الكتاب حتى اليوم مرجعًا أساسيًا للمتخصصين في العلاقات الزوجية وللأزواج الذين يسعون إلى تحسين لغة التواصل وتزكية مشاعر الحب بينهما. فما هي لغات الحب الخمس؟
الإطراء والمديح:
كلمات الإطراء والمديح هي في عالم الحب كالمطيبات والبهارات في الطعام، بمعنى أنّها تمنحه النكهة الرائعة. عندما يعبّر الشريك عن تقديره واعترافه بأهمية الآخر، فهو يغمره بحبه بطريقة غير مباشرة. هناك الكثير من الصفات التي يمكن مدح الشريك بها، كالكرم أو الطيبة أو الذكاء أو الاهتمام وغيرها. يقول سامر وهو زوج منذ تسع سنوات وأب لطفلين: "لاحظت منذ بداية زواجي أهمية الثناء بالنسبة لزوجتي رنا، فكنت وما زلت أمطرها بكلمات الشكر والمديح على كل ما تقدمه من أجل عائلتنا. أشكرها على وجبة الطعام الشهية، أثني على قصّة شعرها، ولا أتردد في مدح حسن إدارتها لشؤون المنزل والأولاد... وقد لاحظت أنّ للكلام الجميل مفعوله السحري إذ إنّ رنا تزداد نشاطًا واندفاعًا لخدمتنا، كما أنّها تبذل جهدًا واضحًا لإبقاء جو السعادة سائدًا في منزلنا".
وقت الجودة:
يشير تشابمان إلى أنّ قضاء وقت يتصف بالجودة مع الشريك يعكس الاهتمام والرغبة في تعزيز العلاقة. والمقصود بوقت الجودة هو الوجود معًا من دون أي تشتيت للانتباه، وإعطاء الاهتمام الكامل للشريك. ويشير في هذا الإطار إلى أهمية التخطيط للقاءٍ أسبوعي والخروج لتناول العشاء أو مشاهدة فيلم أو القيام بأي من النشاطات معًا. تقول نادين وهي زوجة منذ خمسة عشر عامًا وأمّ لثلاثة أولاد: " يعمل زوجي تسع ساعاتٍ في النهار ويسعى جاهدًا لتأمين ما نحتاجه، وقد لاحظت منذ بضع سنوات أنّه أصبح كثير التأفف والانتقاد.عندما واجهته بالأمر، أخبرني أنّه محبط بسبب إهمالي له، فاتفقنا منذ ذلك اليوم، على تحديد يوم الجمعة مساءً كموعدٍ ثابت نخرج فيه معًا من دون الأولاد ونقوم بنشاطاتٍ مختلفة لوحدنا أو مع الأصدقاء. وصرنا ننتظر هذا اليوم بلهفةٍ لأنّه يتيح لنا الهرب من ضجيج الحياة اليومية والتفرغ ولو لساعات قليلة لعلاقتنا كثنائي".
الهدايا:
تُعد الهدايا رمزًا للاهتمام وتقدير احتياجات الشريك. بالنسبة لمحبي الهدايا، فإنهم يرون فيها دليلًا صادقًا على مدى حب الشريك. تقول لورين وهي مخطوبة لفادي منذ حوالى العام: "أحب تلقي الهدايا ومنحها في الوقت نفسه، وأعتبرها لغة فريدة لترجمة العناية بالآخر. في المقابل، أحزن كثيرًا عندما يتهمني البعض بالمادية لأنّ الأمر ليس كما يعتقدون، فأنا لا أكترث لثمن الهدية وإنّما لكونها رمزًا لمدى اهتمام خطيبي بما أحبه وأحتاج إليه".
تقديم الخدمات:
في لغة الحب، للأفعال صدى أقوى من صوت الكلمات، وذلك أنّ مسألة الخدمات تتعلق بمدى رعاية الفرد لشريكه واهتمامه بمختلف احتياجاته. تقول ابتسام وهي أرملة منذ عامين: "كان زوجي شديد الاهتمام بكل المسائل المتعلقة بعائلتنا، وكنّا نتعاون في جميع الأعمال الخاصة بالمنزل والأولاد، فهو الحاضر دائمًا لغسل الأطباق حين أكون منهمكة في التدريس، وهو الجاهز منذ الصباح الباكر لاصطحاب الأولاد إلى المدرسة، ومع ذلك فقد كنت دائمة التذمر من أنّه لا يُسمعني كلامًا جميلًا ولا يقول لي عبارات الحب. اليوم وبعد غيابه، وبعد أن شعرت بثقل الحمل الملقى على كاهلي، أدركت كم كان زوجي يحيطني بحبّه وعنايته بلغةٍ لم أفهمها من قبل، وأعني بها التفاني في الخدمة".
التقارب الجسدي:
يشدد تشابمان على أهمية التقارب الجسدي في إشباع الاحتياجات العاطفية. والتقارب المقصود لا يقتصر على العلاقة الجنسية الحميمة، وإنما يعبَّر عنه أيضًا بالإمساك بالأيدي، أو العناق، أو التقبيل، أو الاحتضان أو أي من طرق الاتصال الحسي التي تعبر عن عمق المشاعر. يقول وسيم وهو زوج وأب لطفلةٍ في شهرها الثالث: "غالبًا ما استيقظ في الليل على زوجتي وهي تطعم طفلتنا، فأقوم لا شعوريًا بالإمساك بيدها ثم أتابع نومي حتى الصباح. منذ مدةٍ قليلة، أخبرتني زوجتي أن هذه اللفتة البسيطة تمنحها الشعور بالأمان وتمدها بالقوة اللازمة للتغلب على الشعور بالتعب والنعاس".
ما هي لغة الحب لديك؟
هناك إذًا طرق مختلفة للتعبير عن الحب وتلقّيه، وكل شخص يتقن لغة مختلفة عن الآخر. لذلك، على المرء معرفة لغة الحب الخاصة به كي يدرك ما يحتاجه لتلقي الحب بشكل أفضل. في الإطار نفسه، فإن فهم لغة الشريك تساعد على فهم مسببات الإحباط أو خيبة الأمل في حال وجدت، ويصبح من السهل معالجتها.
لمعرفة لغة الحب الخاصة بك، عليك أن تسأل نفسك عن الأشياء التي تهمك والأشياء التي تجعلك تشعر بالتقدير والحب. قد تكون كلمة "أحبك" هي المفتاح السحري لقلبك، أو ربما يرقص قلبك طربًا حين يفاجئك شريكك بالهدايا أو العكس. تعرّف على كل لغة من لغات الحب وتعرّف على ما تقدره أكثر، وما لا تهتم به بشكل خاص.
يقترح تشابمان ثلاثة أسئلة لاكتشاف لغة الحب الخاصة بك:
١- أي من الأفعال التي يقوم بها شريكك أو لا يقوم بها يؤذيك بشدة؟ قم بتحليل تصرفات الشريك التي تسبب لك الألم، فقد يكون العكس هو لغة الحب الخاصة بك.
٢- ما الذي تطالب به شريكك في معظم الأحيان؟ هذا الشيء الذي تحتاجه بشدة هو نوع الحب الذي تريد تلقيه.
٣- ما هي الطريقة التي تعبّر بها بانتظام عن حبك للشريك؟ قد تكون طريقتك في التعبير عن الحب مؤشرًا على أنّ ذلك ما يجعلك تشعر بالحب أيضًا.
في الختام، إنّ السعي للحفاظ على خزان الحب العاطفي أمر لا يقل أهمية عن الاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية، وذلك أنّ الاتصال العاطفي يشكل ركيزة أساسية لعلاقة قائمة على الاحترام والتفاهم، وبالتالي علاقة تجلب السعادة المشتركة. من هنا أهمية إتقان لغات الحب ومحاورة الشريك بها باستمرار بهدف بناء حب ثابت يدوم مدى العمر.